الخبير و المؤرخ الفني جوليان ستلبروس يكتب عن أعمال المصور الفوتوغرافي العراقي أيمن العامري (١٩ عاماً) المقيم في بغداد حول عمله “اهداء الى تاركوفسكي” (2013) ، و تأثير النزاعات المحلية على اعماله
في بداية فيلم تاركوفسكي ( طفولة ايفان ) والذي صور خلال الغزو الالماني للاتحاد السوفيتي نرى صبيا جميلا جدا يركض في منطقة ريفية مثالية مضاءة بنور الشمس مكسوة باشجار خفيفة.الجو لابد ان يكون حارا مادام يرتدي سروال قصير ..حين وجد امه أدخل رأسه في دلو الماء الذي كانت تحمله فقط ليستيقظ بقوة من صوت اطلاق النار في الطاحونة المظلمة التي تقع في منطقة كئيبة دمرتها الحرب فيما يلف السماء دخان اسود
ان ايمن العامري يقدم تحية لتاركوفسكي في سلسلته الصوريه والتي ترينا رجال خارج بغداد يسيرون في زيارة الى مدينة كربلاء خلال عاشوراه .وهذا هو احتفال الشيعه بذكرى استشهاد الحسين بن علي وهو وقت الحداد والتأمل..التقط العامري صورا ملونة للمراسيم الفعلية في كربلاء ليلا حيث يقوم المشيعون بقص فروات رؤوسهم وينزفون دما على ملابسهم البيضاء في مشاهد تجذب العديد من المصورين الصحفيين.
التحية الى تاركوفسكي مختلفة تماما حيث التقطت بلون احادي وتظهر شواخص بعيدة للطبيعه تتقاطع مع خطوط السكك الحديد واثار الاطارات على الارض متقدمة بمجاميع رمادية وسوداء..انه منظر يعطي راحة قليلة لقاطنيه مع احتمال ان تستمر الاوساخ والفقر والطين والجنيبات الى الابد …بينما الاعلام السوداء المنتصبة في الجوار لزوار كربلاء تنقط المشهد.
انه ليس امرا سهلا التقاط صور في العراق فغالبا ماينظر الى المصورين كأنهم مشتبه فيهم : هل هم يعملون لجماعات مسلحة ام انهم مع القوات الامنية الحكومية ام انهم يعملون لصالح وسائل اعلام غربية المحتقرة على نطاق واسع ؟ ان عملية رفع الكاميرا الى العين قد تكون محفوفة بالمخاطر وفي مثل هذه الصور يجب الحذر باستمرار .
هناك احساس واحد ترينا اياه صور العامري لايتجاوز بيئة الشعائر الدينية .ويبقى تجمع عدة الاف من الناس في عاشوراه دليل واشارة واضحة على ان الشيعه اخذوا حريتهم بعد سقوط الدكتاتورية التي سيطرة إثناء حكمها الطائقة السنية ومناظر العامري الطبيعية تلمح الى الدمار المروع للارض بسبب الحرب .وفي ضوء الظروف الحالية فان الرايات السوداء تكاد تفشل في استحضار الصراع الطائفي . لقد مرت اجيال على الاطفال العراقيين لم يستمتعوا بالخروج السلمي الى الطبيعة كما تظهر في حلم ايفان .لقد تشظيت اولا بالحرب ضد ايران ثم حرب الخليج واستمرت الى الحصار الاقتصادي وحملات القصف التي قادتها امريكا ثم الغزو والاحتلال واليوم الفتنة الطائفية . العامري ولد عام 1995 في خضم الحصار الاقتصادي والعقوبات التي اودت بحياة العديد من الارواح وكان في الثامنة من عمره عندما غزت امريكا العراق .قضى طفولته في بغداد المحتلة . في كتاب زهير الجزائري ( الشيطان الذي لاتعرفه ) الذي يتحدث فيه عن عودته الى العراق بعد سقوط نظام صدام حسين يشير الى ارتدائه سترة عسكرية في السوق قائلا :
كنت اضبط طول الاكمام في يدي حين مر شخص ما بقربي لااعرفه واشر لي بيده قائلا :” الم تتعب من هذا اللون ؟ لقد امضينا شبابنا جميعا فيه.” وذهب دون ان ينتظر ردا مني
الصبي الذي يظهر منحنيا وغير واضحا في مقدمة الصورة قد يذكرنا بأيفان , الطفل الذي صقلته الحرب و أصبح سريع و يقظ ومنتبه الى كل طية في وحل الارض يمكن ان تساعده بالاختفاء.هذا القصد والملاحظة التفصيلية يمكن ان نراه لدى العامري وان صوره تشارك الصدمة العراقية الواسعه بسلب جمال الامة بالغزو والاحتلال والحرب من تدمير و تقطيع النخيل و الاشجار الى نصب الحواجز الكونكريتية .
اذا كانت الارض تثير تاركوفسكي وتجعله ينتقد الحرب في فيلم طفولة ايفان او في فيلم المطارد فان الفرد يستطيع ان يأمل فقط بأن نظرة حادة وثابته لخرابها قد تكون خطوة باتجاه رغبة بالسلام و أعادة البناء.