نادين حاتم فنانة عراقية تعيش في برلين. تتناول مجموعة أعمالهاالأخيرة، “ظلال”، المناظر الطبيعية العراقية مستعينة بصور من على شبكة الإنترنت، مأخوذة من موقع وزارة الخارجية الأمريكية في القسم الخاص بـ”عملية تحرير العراق”. وبالإضافة إلى تناول حرب العراق، يبحث العمل أيضا في دور التصوير الفوتوغرافي. فحاطوم لا تلتقط الصور بنفسها، لكنها تستخدم صورا موجودة بالفعل على الإنترنت وتحولها إلى عمل فني جديد. وقد عرض هذا العمل في بينالي مراكش 2016. وفي هذا الحوار، تتحدث الفنانة مع “رؤيا” عن هذا الموضوع، وعن عملها السابق- الذي يجمع بين النحت والتصوير الفوتوغرافي- مع اللاجئين في مخيم الزعتري.
ما الذي جعلك تفكرين في مجموعة أعمالك الأخيرة المسماة “ظلال”؟
قبل ثلاثة أعوام، كنت أعمل على مشروع آخر في الأردن. أردت أن أعبر الحدود إلى العراق، لكن الأمر كان مستحيلا، فمحافظة الأنبار كانت غارقة في الفوضى، يسيطر عليها قطاع الطرق، وكان ثمة مجازفة كبيرة أن أتعرض للخطف. هكذا بدأت أطالع الصور على الإنترنت، وركزت على صور المناظر الطبيعية في محافظة الأنبار على الحدود بين الأردن والعراق. ولم أجد صورة واحدة تخلو من جنود أمريكيين. كنت أريد أن أرى العراق من دون التفكير فيه كبلد في حالة حرب.
استخدمت صورا من موقع وزارة الخارجية الأمريكية التقطت أثناء “عملية تحرير العراق”. لماذا اللجوء إلى هذه الصور تحديدا؟
الصور التقطتها وزارة الخارجية الأمريكية، لكن مسموح لأي شخص باستخدامها. واستخدام صور المجال العام يطرح مسألة الملكية نفسها. هذه الصور تخص من؟ ماذا لو قمت بتحريرها وحولتها إلى عمل فني جديد خاص بي؟ هناك كثير من النزاع على أرض العراق الآن. وأنا أطرح تساؤلا حول ما إذا كانت الأرض نفسها قد أصبحت مجالا عاما. علاوة على ذلك، فبرغم توفر ملايين الصور عن حرب العراق على الإنترنت، فقد اخترت الصور من موقع الخارجية الأمريكية لأنها كانت عالية الجودة والدقة بحيث يمكنني العمل عليها وتحريرها.
كيف أنتجت هذه المجموعة من الأعمال؟
اخترت الصور التي يمكن أن تتحول إلى صور لمناظر طبيعية جميلة: مسطحات خالية ومواقع تاريخية، لأرجع بها إلى زمن سابق على ظهور تكنولوجيا الحرب وقيام كل هذه المدن. أردت استرداد هذه الأرض وعرضها في ضوء مختلف. وباستخدام الـ”فوتوشوب”، أزلت الجنود الذين كانوا في الصور، ولم أترك إلا ظلالهم، مجرد أثر لما كان هناك. ورغم أنني أحرر الصور نقطة نقطة، لم أفعل ذلك على نحو كامل لأنني أردت أن أوضح أن الصور تعرضت للتحريف، لأخلق حالة من التوتر. كذلك عرضت الصور مصحوبة بتعليقاتها الأصلية التي وجدتها على موقع وزارة الخارجية الأمريكية. ولقد طبعتها على ورق خشن لتعطي إحساس الحجر الذي يكاد يتفتت لو أطبقت عليه بيديك.
ماذا كانت أول صورة عملت عليها؟
كانت صورة لأطلال الحضر، وكان يتوسطها جندي يتطلع إلى قوس بوابة حجرية. هذه الصورة موجودة على صفحة ويكيبيديا الإنجليزية. اليوم، لم تعد هذه الأطلال موجودة بعدما دمرتها داعش.
هل تغيرت أفكارك عندما استولت داعش على أجزاء من البلاد في 2014؟
نعم، أصبحت القصة أكثر تعقيدا ولم تعد مجرد قصة الوجود الأمريكي في العراق. توقفت بعض الوقت لكي أفكر فيما كنت أحاول قوله. الآن أنا أترك العمل يتحدث عن نفسه، فالقصة لها زوايا متعددة.
لو طلب منك أن تقولي شيئا للجنود في هذه الصور، فماذا تقولين؟
هذا سؤال صعب، إذ تتنازعني العديد من المشاعر المختلطة. أشعر بقدر من الغضب، لكنني أيضا لا أريد توجيه اللوم. أخي يعيش في الولايات المتحدة، ومنذ عامين التقينا بمشرد سبق له الحرب في العراق. أخي قال له إنه ممتن لما حاول الأمريكان فعله في العراق، فأجاب “لقد جعلنا الأمور أسوأ”. لحظتها أدركت أن للقصة وجوها عديدة.
كفنانة تستخدم الفوتوغرافيا، ما الفرق بين العمل على صورة التقطها شخص آخر وصورة التقطتها بنفسك ؟
أنا أنظر لنفسي كفنانة تستخدم الفوتوغرافيا كوسيط. عندما تستخدمين صورة التقطها شخص آخر، فهذا بمثابة استبصار خيال شخص آخر، والطريقة التي يرى العالم بها. هكذا، قد يكون ذلك نوع من التقمص من أجل الاستئثار بالصورة، بأن تقول “طيب، دعنا ننظر إلى العالم من خلال عيني شخص آخر”. ما اتضح بحق في “ظلال”، هو أنك عندما تزيل الموضوع الأساسي subject من الصورة، ستجد نفسك تنظر إلى كل ما اعتبره المصور ثانويا. كانت فكرتي أن هذه الخلفية هي الموضوع الحقيقي للصورة.
كيف أدت الصور التي تنتمي إلى “المشاع الإبداعي”، بمعنى الأعمال المتاح للآخرين استخدامها ومشاركتها والعمل عليها بشكل قانوني، إلى تغيير الدور الذي يلعبه المصور الفوتوغرافي؟
أجد هذا الأمر مثيرا جدا، على الرغم من أن العالم مليء بالصور. إننا نبدأ في النظر إلى الصور باعتبارها مفردات. الصورة يمكن أن تقرأ ككلمة، وعناصرها مثل حروف الهجاء. المشاع الإبداعي يجعل هذه المفردات متاحة، وهي تتحدث بلغة عصرنا.
مشروعك السابق “ميساء وفتحية” بدأ في مخيم الزعتري بالأردن، وكان عن اثنتين من اللاجئات السوريات. كيف سردت قصتهما؟
التقطت صورا للأشياء التي حرصتا على أن تأخذاها معهما وهما تغادران الديار في سوريا. هذه الأشياء أصبحت “بورتريهات” لهاتين المرأتين. بورتريه فتحية كان برطمانات معدة منزليا من الزيتون والمخلل وورق العنب. وبورتريه ميساء كان يتضمن أدوات تتعلق بوظيفتها كمصففة شعر، كانت تفكر في الأدوات التي تحتاجها لكي تعول أسرتها. وفي المعرض الذي أقيم في برلين، عرضت الصور الفوتوغرافية، لكنني أيضا أعدت إنتاج بعض هذه الأشياء. أحضرت مجفف شعر ومعجون أسنان من متاجر محلية، وأعدت إنتاج بعض حاويات الطعام باستخدام الجبس.
عائلتك تعيش في المهجر، وكذا أغلب المندائيين العراقيين. كيف أثر فهمك للعائلات والجماعات التي تعيش في المهجر في إنتاج عمل فني مثل “ميساء وفتحية”؟
هذا العمل الفني ركز على الأشياء البسيطة التي نأخذها معنا، والتي تربطنا بغيرنا من الناس. فمن جانب ما، نجد أن أشياء مثل مجفف الشعر الخاص بميساء يعكس طموحاتها من أجل المستقبل، ومن جانب آخر، فإن الزيتون المخلل الخاص بفتحية كان طريقتها للاحتفاظ بثقافتها. في أسرتي وفي مجتمع المندائيين، يلعب الطعام دورا محوريا. إنه طريقة حسية وممتعة في الارتباط بتراثك ومشاركة هذا التراث مع من حولك.
ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه الفنانون في الحوارات الدائرة عن أزمات مثل تهجير الناس من سوريا، أو الحرب في العراق، التي يغطيها عادة الصحفيون والعاملون في مجال الإغاثة؟
الفنانون يقدمون لغة بصرية يمكن استخدامها للمشاركة في الحوار الإنساني. ويمكن أن يكون لذلك أقوى الأثر. دوري كفنانة ليس هو إبلاغ الناس أو تقديم الحلول مثل الصحفيين والعاملين في مجال الإغاثة، دوري هو العثور على جوهر خبراتي وخبرات الذين هجروا من منازلهم، وتوصيل هذا الجوهر لآخرين.
ما هي مشروعاتك القادمة؟
أجهز لعمل فني باسم “شلوق” في نيويورك، أتناول فيه دور الحكي وتطور اللغة وذلك ضمن معرض Languitecture، وهو معرض جماعي سيقام في جاليري P21 بلندن في سبتمبر 2016.