وجهت مؤسسة رؤيا دعوة للمديرة الفنية والكاتبة البولندية أنيتا شيواك لتقديم حلقة دراسية في “حديقة السيف” في بغداد، وذلك ضمن أنشطة “مختبرات رؤيا”، وهي سلسلة مستمرة من ورش العمل والحلقات الدراسية المخصصة لخدمة الجماعة الفنية العراقية. وقد انقسمت الورشة إلى قسمين. قبل القسم الأول، طلبت شيواك من المشاركين أن يحضروا معهم شيئا يشعرون بأنهم متعلقين به. ومن ثم بدأ كل مشارك في الاشتغال على هذا الشيء الخاص به من خلال المناقشات، والرسومات، والأنشطة الجماعية. أما القسم الثاني فقد تطلب من المشاركين أداء مشهد من الحياة اليومية من دون استخدام لا اكسسوارات، ولا حوار، ولا نصوص مكتوبة.
وقد انصب تركيز تلك الورشة على استجلاء الحياة اليومية من خلال لغة فنية خاصة؛ لغة يستطيع المشاركون أن يسموها “لغتهم”، بناء على خبراتهم الشخصية أو الموقف التاريخي. وكان الهدف تشجيع حرية التعبير حول هذه الأغراض الساكنة، باستخدام الوسائط المختلفة كقنوات توصيل. وقد شارك في الورشة التي استمرت أربعة أيام ثمانية عشرة من الفنانين وطلاب الفنون من مختلف المراحل العمرية، من بينهم اثنان من الفنانين جاءوا من السليمانية.
وسبق لشيواك العمل مع فنانين عراقيين في 2010، بالتعاون مع الفناني العراقي الكردي هيوا ك. وأسسوا معا “انسلاخ” Estrangement، وهي سلسلة من ورش العمل والمناقشات أقيمت في شمال العراق، وعرض نتاجها في جاليري “شو روم” Showroom في لندن. وتشغل حاليا المديرة الفنية لمهرجان “ألترناتيفا” Alternativa في جدانسك، بولندا. كما تعمل على تأسيس متحف الفن المعاصر في جدانسك، كممثلة للمدير الفني القادم.
قبل بدء القسم الأول، طلبت شيواك من الفنانين إحضار أشياء “ربما عثرنا عليها، ربما ورثناها، ربما جاءتنا هدية، قد تكون خطابا، جريدة قديمة، حجرا، صحنا، كرسيا، أو أي غرض آخر نربطه بلحظة ما في حياتنا”. ومن خلال الاشتغال على هذا الشيء على مدار أربعة أيام، هي زمن الورشة، كان هدفها أن يتمكن المشاركون من “إضفاء الحيوية على هذا الشيء”، وأن تتطور عن ذلك مناقشات، وأعمال جماعية، ورسوم.
في البداية، تحدثت شيواك عن عملها، واستعرضت أساليب عمل عدد من الفنانين المعاصرين، وتطرقت إلى نظريات نقدية. بعدها انقسم المشاركون إلى مجموعات صغيرة، حيث بدأ كل مشارك بعرض الشيء الذي جلبه معه، وأثناء ذلك كان بقية أعضاء مجموعته يتجاوبون مع ذلك من خلال الرسم.
إحدى الفنانات، إيناس غازي، جلبت علبة خشبية صغيرة مملوءة بحلي شخصية آلت إليها من زوجها الراحل الذي فقدته في أحد التفجيرات. وتجاوبا مع ذلك، قام فنان آخر برسم اثنتي عشرة علبة، مخصصا كل واحدة للحظة أو حدث يخص الذاكرة الجمعية للعراق. أما الفنان العراقي الكردي آودير عثمان فقد جلب شظية قنبلة، سبق وأن استخدمها في أحد أعماله السابقة. وكانت تلك نقطة بداية للحوار عن الكوارث التي شهدها على مدار حياته، بداية من التطهير العرقي الذي ارتكبه صدام في حملات الأنفال ضد الأكراد في ثمانينيات القرن الماضي، وحتى الهجمات بالأسلحة الكيماوية على حلبجة، وإعلان الأمم المتحدة كردستان ملاذا آمنا يتمتع بالحكم الذاتي، والحرب الأهلية بين مختلف الأطراف الكردية في منتصف التسعينيات، والغزو الأمريكي للعراق في 2003، والحرب الحالية ضد تنظيم الدولة الإسلامية. ومن جهته تجاوب المصور الفوتوغرافي أيمن العامري مع هذه القصة برسم استخدم فيه الخط المجرد، حيث يزداد الخط كثافة مع سرد المزيد من الأحداث واقتراب المناقشات زمنيا من الحرب الدائرة حاليا ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
أما القسم الثاني فكان ورشة عمل للفن الأدائي. حيث طلبت شيواك من الفنانين أداء مشاهد من الحياة اليومية تقررها كل مجموعة على حدة. ولم يسمح لهم لا بالكلام، ولا باستخدام اللغة، ولا الأغراض. أحد المشاهد كان يحدث في مكتب حكومي، حيث مجموعة من الرجال والنساء يقفون بانتظار إنهاء أوراقهم أمام مكتب أحد الموظفين. وبعد فترة يقوم الموظف بصرفهم، وتوجيههم إلى عصا مثبتة على كرسي، يفترض أن تمثل كاميرا، حيث تلتقط لهم صور لجوازات السفر. وفي نهاية العرض، يغادر الموظف الخشبة، ويتبعه الرجال والنساء، في حركة شبيهة بالرقص.
كان التعاون أحد أبرز سمات ورشة العمل. فقد أرادت شيواك أن تبرز دور التناص في صناعة الفن، وحقيقة أن جميع الأعمال الفنية هي نتاج تعاون من نوع ما. وقال أحد المشاركين “أولئك الذين سبق لهم العمل في صناعة الأفلام أو السينما كانوا معتادين على العمل الجماعي، لكن هذا الأمر لم يكن معتادا بالنسبة لفنانين ومصورين فوتوغرافيين آخرين”. وقد بذل الكثير من المشاركين جهدا لقبول هذه الفكرة، إذ كانوا معتادين على مفهوم الفنان بوصفه صانعا وحيدا وأصليا للعمل الفني.
وسوف تستمر رؤيا في العمل مع هذه المجموعة بالتعاون مع أنيتا شيواك من أجل استكشاف المزيد من الإمكانيات التي تثري الفن العراقي. وقد أنشيء منتدى على الإنترنت للمشاركين، ونأمل أن نستضيف ورشة أخرى في “مختبرات رؤيا” في موسم الخريف/الصيف المقبل.